الإمارات وبريطانيا...شراكة لعصرنا الراهن
نحتفل اليوم بزيارة جلالة الملكة إليزابيث الثانية إلى الإمارات العربية المتحدة وهي الزيارة الأولى للملكة منذ 31 عاماً. ولا تقتصر أهمية هذه الزيارة على المراسم والاستقبالات الرسمية، بل تمثل دليلاً على الشراكة الاستراتيجية والمهمة بين دولة الإمارات والمملكة المتحدة في العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك. كما إننا نحتفل اليوم بالتوقيع على "إعلان أبوظبي 2010"، مؤكدين بذلك على معاهدة الصداقة التي تجمع بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة منذ عام 1971.
إن التوقيع على "إعلان أبوظبي 2010" يعكس العلاقة القوية والمهمة التي تربطنا مع المملكة المتحدة، وهي علاقة حرصنا عليها في مسيرة تطور الإمارات العربية المتحدة منذ قيام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الأب المؤسس والرئيس الراحل لدولة الإمارات، بتوقيع معاهدة الصداقة الأصلية في ديسمبر 1971.
وإلى جانب هذه العلاقة الراسخة، يوجد حالياً أكثر من 100 ألف بريطاني مقيم في دولة الإمارات يعملون بجهد في اقتصادنا ومجتمعنا، ولطالما لعبت الجالية البريطانية دوراً مهماً في مسيرة النهضة الشاملة التي تشهدها دولة الإمارات في غضون الأربعة عقود الماضية.
وفي الوقت نفسه، تقوم دولة الإمارات بالمساهمة بدور مهم وبارز في بريطانيا، إذ يقوم عشرات الآلاف من الإماراتيين بزيارة المملكة المتحدة سنوياً، إضافة إلى التعاون المتزايد في مجالات عديدة مثل الاقتصاد والتعليم والثقافة والصحة وغيرها، فضلاً عن الاستثمارات الإماراتية المتنوعة في المملكة المتحدة.
وعلى سبيل المثال، تمتلك شركة "مصدر" التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، حصة مهمة في مشروع "لندن آري" أكبر مشروع لتوليد طاقة الرياح البحرية في العالم، كما تقوم "موانئ دبي العالمية" بتطوير مشروع "بوابة لندن" لبناء ميناء عميق ومركز لوجستي خارج لندن بكلفة 1.5 مليار جنيه استرليني، وسيوفر هذا المشروع 36 ألف فرصة عمل جديدة في المملكة المتحدة، 700 منها في نهاية العام الجاري. ويعد هذا المشروع حالياً أكبر مصدر لفرص العمل في بريطانيا.
وعلى الرغم من التطور الهائل الذي شهدته هذه الشراكة منذ زيارة جلالة الملكة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1979، إلا أن هناك عددا من المجالات بحاجة إلى مزيد من الدعم والرعاية. واسمحوا أن أسلط الضوء على أهم ثلاثة منها:
أولاً، يتعين علينا العمل على تعزيز التجارة والاستثمارات الثنائية. فقد وصل حجم التجارة بين المملكة المتحدة ودولة الإمارات في عام 2009 إلى 40 مليار درهم، ويوجد اتفاق مسبق بين الجانبين للوصول بحجم التجارة إلى 65 مليار درهم بحلول عام 2015. وفي غضون الأشهر القادمة، سنقوم بعقد لقاءات بين أهم رجال الأعمال من البلدين لبحث واكتشاف الفرص المتاحة في قطاعات مختلفة مثل الطاقة، والدفاع، والسياحة، والطيران والشؤون المالية.
ويتعين علينا أيضاً العمل سوياً لتأييد التجارة الحرة في العالم، لا سيما أن دولة الإمارات والمملكة المتحدة تدركان من خلال موقعهما كدولتين ناشطتين تجارياً قيمة وأهمية التجارة الحرة. وبالتالي، يجدر بنا اغتنام جميع الفرص للعمل معاً في مواجهة أية توجهات نحو الحمائية.
ويتمثل المجال الثاني في تعزيز التعاون في قطاع الطاقة بالاستفادة من شراكاتنا الراسخة والقيّمة مع شركتي "بريتش بتروليوم" و"شيل" في مجال النفط والغاز.
إن دولة الإمارات تدرك عمق التهديدات التي تفرضها ظاهرة التغير المناخي، ومن هذا المنطلق، فإننا نعكف حالياً على الاستثمار بقوة في مصادر الطاقة المتجددة والتقنيات المتقدمة، حيث أننا نعمل على تأسيس أول مدينة حيادية الكربون وخالية من النفايات في العالم. كما أن دولة الإمارات تستضيف مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، و"القمة العالمية لطاقة المستقبل"، والاجتماع الوزاري المقبل حول الطاقة النظيفة.
وفي حين تعمل حكومة المملكة المتحدة إلى جانبنا في هذه المشاريع، إلا أن الابتكارات الحقيقية في هذا المجال تنبع من الشراكات الفاعلة بين الشركات الإماراتية والبريطانية العاملة في مجال الطاقة النظيفة، الأمر الذي يتجلى من خلال تعاون "مصدر" و"بريتش بتروليوم" على بناء محطة طاقة صناعية واسعة يغذيها وقود الهيدروجين، بما في ذلك التقاط وتخزين الكربون.
ونأمل أيضاً أن نرى مزيداً من فرص التعاون المشابهة لهذه الشراكة المتميزة.
ويتجلى المجال الحيوي الثالث للشراكة الاستراتيجية في تعزيز الأمن والاستقرار، إذ أن الأمن يبدأ أولاً من المنزل والوطن، ومن هنا تأتي الحاجة إلى مزيد من التعاون العسكري والأمني.
ولقد ساهم التعاون في مجال تبادل المعلومات الأمنية مؤخراً في عملية الكشف عن متفجرات على متن طائرات قادمة من اليمن قبل انفجارها. ولذلك، تعد مواصلة هذا التعاون مسألة بالغة الأهمية، بل مسألة حتمية.
ومن خلال العمل المشترك، نقوم أيضاً باتخاذ خطوات لدعم الاستقرار في المنطقة، فدولة الإمارات شريك كامل في الحلف الدولي في أفغانستان، كما شملت شراكاتنا المملكة المتحدة والدول الأخرى في عدد من المبادرات الدبلوماسية المهمة مثل "أصدقاء باكستان" و"أصدقاء اليمن". ومن هذا المنطلق، فإن على دولة الإمارات والمملكة المتحدة أن تضعا ضمن أولوياتهما التعاون لدعم عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك منع انتشار الأسلحة النووية.
وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف، يتوجب علينا الوقوف جنباً إلى جنب في وجه الأصوات المتطرفة المنادية بالعنف، وضمان ثقافة الانفتاح والتسامح. فقد ننتمي إلى حضارتين وثقافتين مختلفتين، إلا أننا نتشارك بصدق في العديد من قيمنا ومبادئنا الراسخة.
وبناء على ما تقدم، فإن "إعلان أبوظبي" لا يقتصر على كونه وثيقة مهمة فحسب، بل يشكل التزاماً قوياً بالعمل المشترك. وفي حال استثمارها ودعمها بشكل مناسب، فإن هذه الشراكة الحديثة التي تمتد جذورها في علاقة الصداقة المميزة من شأنها أن تعود بالعديد من المنافع على بلدينا وشعبينا، إضافة إلى المساهمة في جعل العالم مكاناً أكثر أماناً واستقراراً ورخاءً للجميع.
عبد الله بن زايد آل نهيان
وزير الخارجية